الابتكار الاجتماعي
استخدام البصائر السلوكية في تعزيز الالتزام بزيارات عيادات صحة الطفل

مجلة اتجاهات الابتكار الاجتماعي - العدد 13

استخدام البصائر السلوكية في تعزيز الالتزام بزيارات عيادات صحة الطفل

   د. محمد الحاجي

من الوحدات المتخصصة في البصائر السلوكية في الجهات الحكومية في السعودية وحدة التغيير السلوكي في وزارة الصحة، والتي أجرت الكثير من الأبحاث والتجارب لدعم اتخاذ القرارات في المجال الصحي، وخاصة في جائحة كورونا. ويأتي هذا البحث ضمن جهودها في تعزيز الوعي بأهمية الفحوصات الأولية للطفل، وكيفية توظيف البصائر السلوكية في إيصال الرسائل الخاصة بهذا الموضوع، وقد فاز البحث ضمن حزمة من أبحاث الوحدة بجائزة الجمعية العالمية للعلوم السلوكية التطبيقية GAABS.

الخلفية:

تُوفر عيادات صحة الطفل فرصاً للكشف المبكر عن الأمراض والوقاية منها، ورغم أن هذه العيادات مجانية ويمكن الوصول إليها بكل يسرٍ وسهولة، إلا أن الاستفادة منها تعد دون المستوى المأمول، ومن الممكن معالجة هذا التحدي من خلال تقنيات الوكز، والتي يمكن أن توفر على نظام الرعاية الصحية تكاليف هائلة مباشرة وغير مباشرة. كان الهدف من التجربتين العشوائيتين المضبوطتين الحاليتين تقييم مدى فاعلية الخيار الافتراضي، وكذلك تأطير الرسائل النصية للوالدين لزيادة الإقبال على عيادات صحة الطفل في المملكة العربية السعودية.

المنهجيات:

فحصت تجربتان عشوائيتان مضبوطتان أحاديتا الطرف فاعلية الخيار الافتراضي والرسائل المؤطرة في حضور الطفل إلى عيادة صحة الطفل.

  • الدراسة 1: بالنسبة للخيار الافتراضي بلغ عدد المشاركين من أولياء الأمور (N = 250)، وحدِّدوا عشوائياً وبالتساوي، إما للمجموعة الضابطة أو مجموعة التدخل التي تلقت جدولة تلقائية للموعد، ولم تحصل المجموعة الضابطة على أي موعد، وكان الهدف قياس نسبة الحضور إلى العيادة.
  • الدراسة 2: بالنسبة لدراسة الرسائل المؤطرة بلغ عدد المشاركين (N = 378)، وخصصت ثلاثة أنواع من الرسائل عشوائياً للمشاركين من أولياء الأمور لاختبار تأثير التدخل مقابل المجموعة الضابطة، وكان الهدف هو قياس النسبة المئوية للمواعيد المحجوزة، قيّمت اختبارات مربع كاي الفروق الإحصائية في كلتا الدراستين.
النتائج:
  • الدراسة 1: تشير النتيجة إلى اختلاف كبير في حضور عيادة صحة الطفل بين مجموعة الخيار الافتراضي والمجموعة الضابطة، (X2 = 19.5، p <.001). 20٪ من مجموعة التدخل حضروا المواعيد مقابل 2.4٪ من المجموعة الضابطة.
  • الدراسة 2: يُظهر اختبار مربع كاي أن الرسالة المؤطرة التي استخدمت عبارات السلطة هي الوحيدة التي كان لديها فرق إحصائي مقارنةً بمجموعة التحكم (X2 = 5.7، p = .017).
الاستنتاج:

توفر الوكزات من قبيل الخيار الافتراضي والرسائل المؤطرة نهجاً واعداً لتحسين مشاركة الجمهور في الخدمات الصحية، ينبغي لواضعي السياسات النظر في البصائر السلوكية عند تصميم برامج الصحة العامة وتنفيذها.

الطفولة هي وقت النمو والتطور المتسارع (نوفاك ومورجان، 2019)، تشجع الكثير من المنظمات الطبية، ومنها الأكاديمية الأمريكية لطب الأطفال، الأسرَ على الالتزام بالزيارات المتكررة لعيادات صحة الطفل (هاجان وآخرون، 2007)، لأن مثل هذه الزيارات تسمح باكتشاف الأمراض وتتيح التدخل المبكر (جوناس وآخرون، 2018، سامبسون وطومسون، 2017، سونوجا بارك وآخرون، 2011).

وبناءً على ذلك يتوفر لدى وزارة الصحة في المملكة العربية السعودية برنامج مخصص للصحة العامة، لتعزيز الزيارات الصحية لجميع الأطفال حتى سن الخامسة، حيث توفر وزارة الصحة لأولياء الأمور جدولاً سنوياً لمساعدتهم على متابعة التوصيات الطبية بناءً على مراحل النمو، في كل زيارة يجرى فحص كامل لعدد من الاضطرابات، منها النظر والسمع وصحة القلب (وزارة الصحة، 2021).

وعلى الرغم من التوصيات الطبية، وتحسين الوصول إلى الخدمة من خلال الحجز عبر الإنترنت، وتوافر العيادات، إلا أن معدل الاستخدام دون المستوى المأمول، تشير البيانات إلى أن غالبية الآباء يلتزمون بالفعل بزيارات عيادات صحة الطفل خلال العامين الأولين من عمر الطفل، حيث تكون هذه الزيارات مصحوبة بالتطعيمات الإجبارية (تقرير داخلي، سبتمبر 2021)، ومع ذلك ينخفض معدل الإقبال في زيارات السنوات الثالثة والرابعة والخامسة، قد تشمل الأسباب المحتملة لهذا الاستيعاب المنخفض النسيان، ونقص الحافز، وضعف المعرفة، استطلع بحث أجراه الدايل وزملاؤه (2020) عينة من الآباء السعوديين لتقييم معرفتهم بمراحل النمو المهمة، ووجد أن 80% منهم أظهروا ضعف المعرفة، كثيراً ما يفشل الآباء والمرضى في الالتزام بالسياسات التي تصب في مصلحتهم، لأنهم يفتقرون إلى القدرة أو الرغبة في التعرف على تأثيرات تلك السياسة الصحية، أو لأن تأطير المشكلة يجعلها تبدو عديمة الأهمية Jensesen et al., 2019)). والجدير بالذكر أن أولياء الأمور غير ملزمين بإجراء هذه الفحوصات حتى يضطر أطفالهم إلى التسجيل في المدرسة، مما يترك فجوة تتراوح من 3 إلى 4 سنوات دون أي زيارة.

ويمكن استخدام مبادئ الاقتصاد السلوكي لمعالجة هذه المسألة، فقد بينت الكثير من الدراسات تأثير الوكزات المختلفة لمساعدة الآباء على اتخاذ قرارات أفضل (Abhyankar et al., 2008; Binder et al., 2020; Mac Iver et al., 2021; Reiter et al., 2012)، كما حقق بلومنثال-باربي وأوبل (2018) في التأثير الإيجابي لتطبيق البصائر السلوكية في بيئات مختلفة، من ذلك تشجيع الآباء على تطعيم أطفالهم، وتشجيع الأمهات على إرضاع أطفالهن حديثي الولادة، وتذكير الآباء بإعطاء الأدوية لأطفالهم. وفحص ديلهانتي وزملاؤه (2020) تأثير الرسائل المؤطرة بالربح والخسارة في تشجيع الآباء على فحص أطفالهم لاضطراب طيف التوحد، ووجدوا أن الرسائل المؤطرة بالخسارة كانت أكثر فاعلية، وعلى العكس من ذلك قيمت تجربة عشوائية مضبوطة تأثير أربع رسائل مختلفة في تعزيز لقاحات الأطفال، ولم تجد أي تأثير (نيهان وآخرون، 2014). كما درست تجربة أخرى تأثير تطبيق الخيار التلقائي لتشجيع الآباء على تسجيل أبنائهم في برامج تقوية المدارس وذلك باستخدام رسائل نصية محفِّزة، ووجدت أن 88% من مجموعة التدخل استمروا في البرنامج مقارنة بـ 1% فقط في المجموعة الضابطة (جينيتيان وآخرون، 2020).

إن حث الوالدين على متابعة عيادات صحة الطفل يمكن أن يوفر على نظام الرعاية الصحية تكاليف هائلة مباشرة وغير مباشرة، في هذه الدراسة أجريت تجربتان عشوائيتان مضبوطتان لدراسة مدى فاعلية الخيار الافتراضي والرسائل المؤطرة لزيادة استيعاب عيادات صحة الطفل ضمن السياق السعودي.

  • سؤال البحث 1: هل المواعيد الـمُجدولة تلقائياً تزيد من معدلات الحضور في عيادات صحة الطفل؟
  • سؤال البحث 2: أي نوع من الرسائل أكثر فاعلية في زيادة المواعيد المحجوزة في عيادات صحة الطفل؟
المنهجيات

المشاركون

استخدم تطبيق (موعد) للهواتف الذكية لتسجيل المشاركين وتنفيذ التدخل، وهي منصة وزارة الصحة لحجز المواعيد الطبية وإدارتها، مجتمع الدراسة شمل جميع الأطفال الذين حضروا أي موعد في أحد مراكز الرعاية الصحية الأولية. وكانت معايير المشاركة في الدراسة هي:

  1. الأطفال الذين لديهم مركز مُعيّن للرعاية الصحية الأولية في التطبيق، وعادةً ما يعتمد ذلك على القرب الجغرافي من المنزل.
  2. الأطفال الذين بلغوا للتو 36 شهراً (3 سنوات) وقت إجراء الدراسة، كان الأطفال الذين بلغوا 3 سنوات من العمر هم العينة المستهدفة، إذ من المقرر أن تكون الزيارة الأولى لعيادة صحة الطفل بعد التطعيمات الإلزامية في العامين الأولين، إذ يحدث عادة انخفاض كبير في الحضور، واستبعد الأشخاص الذين تزيد أعمارهم عن 36 شهراً لتجنب التداخل المحتمل مع الزيارات السابقة المتأخرة، اختير الأطفال عشوائياً من مجتمع الدراسة من خلال التوزيع العشوائي في برنامج Excel.

بيان الموافقة الأخلاقية

راجع مجلس المراجعة الأخلاقية في جامعة الأميرة نورة بنت عبد الرحمن هذه الدراسة ووافق على إجراء البحث، (IRB # 22-0388).

الدراسة 1

الهدف والتصميم

اعتمدت هذه الدراسة التصميم التجريبي أحادي الطرف عشوائياً مضبوطاً لفحص فاعلية الجدولة التلقائية (الخيار الافتراضي) في حضور الطفل للعيادة الطبية، كان الحد الأدنى لحجم العينة هو 88 مشاركاً، وهو الحجم المطلوب لاكتشاف حجم التأثير المتوسط الذي تتراوح قيمته بين (3-5)، وتعطي قيمة الخطأ ثنائي الذيل ألفا α=.05، وفي مجموعتي الدراسة تبلغ درجة الحرية غاما الواحد (ρ=1).

الإجراءات

شملت البيانات المستخرجة من (موعد) أرقام هواتف أولياء الأمور، عيِّن المشاركون عشوائياً وبالتساوي إما لمجموعة التحكم أو التدخل من خلال التوزيع العشوائي في Excel. تلقّى آباء وأمهات الأطفال في مجموعات التدخل رسالة نصية تمهيدية لإبلاغهم بأنهم ستصلهم قريباً رسالة عن موعد لطفلهم في (عيادة الطفل) في مركز الرعاية الصحية الأولية الـمُعيَّن لهم، لأن طفلهم قد بلغ للتو ثلاث سنوات من العمر، أرسل هذا الإشعار التمهيدي لتجنب أي مفاجأة مستقبلية، إذ إن الحجز التلقائي للمواعيد ليس ممارسة شائعة، أرسلت الرسالة النصية القصيرة التالية في أحد أيام العمل عند الظهر تقريباً لضمان الوقت الأمثل لاهتمام المستلم، "تحياتي! نتمنى عيد ميلاد سعيد لطفلك في عيد ميلاده الثالث! ونظراً لأهمية هذا العمر للوقاية المبكرة من الأمراض، ورغبة منا جميعاً بالاطمئنان عليه، حرصنا على حجز موعد لطفلك في عيادة صحة الطفل، وستصلك تفاصيل الموعد في الأيام القادمة. نراكم قريباً. وزارة الصحة".

بعد يومين من هذه الرسالة حجز باحثون من فريق البصائر السلوكية المواعيد يدوياً للمشاركين في التدخل في عيادة صحة الطفل في مراكز الرعاية الصحية الأولية الخاصة، عندما لم يكن هناك موعد متاح في مركز الرعاية الصحية الأولية، اختار الفريق أقرب مركز صحي آخر، حدِّد الموعد خلال أسبوع للسماح للوالدين باتخاذ الترتيبات اللازمة، بعد حجز الموعد أرسلت رسالة تأكيدية تلقائية للمشاركين تحتوي على كل التفاصيل (مثل التاريخ والوقت ومكان الموعد وما إلى ذلك). يمكن للمشاركين إعادة جدولة الموعد أو إلغاؤه حسب رغبتهم، ولم تتلقَ المجموعة الضابطة أي حجز أو تنبيه بالموعد.

تحليل البيانات:

كان القياس الرئيسي للدراسة هو النسبة المئوية للحضور للعيادة في كل مجموعة، استخرجت هذه النتيجة من (موعد) من خلال التحقق من البطاقة الوطنية لكل طفل مشارك لتحديد حالة الموعد (حضور، عدم حضور)، استخدم اختبار مربع كاي لتقييم القيمة الإحصائية في عدد المواعيد التي حُضِرت في كلا المجموعتين، واستخدم اختبار فيشر الدقيق عندما لم تستوف افتراضات مربع كاي، واستخدم (SPSS v. 23) لتحليل البيانات، وحددت الأهمية عند (p <.05).

النتائج:

بلغ عدد المشاركين في الدراسة (N=250) بالتساوي في مجموعة التدخل (n=125) والمجموعة الضابطة (n=125). وأظهرت نتائج اختبار فيشر وجود فروق معتبرة إحصائياً في الحضور لعيادة صحة الطفل بين المجموعتين بنسبة خطأ لا تتجاوز 0.001 (p <.001). فقد بلغت نسبة الذين حضروا إلى المواعيد من مجموعة التدخل 20%، في حين كانت نسبتهم 2.4٪ من المجموعة الضابطة (الجدول ١).

الدراسة 2

الهدف والتصميم:

اتّبعت هذه الدراسة تجربة عشوائية مضبوطة أحادية الجانب بأربعة أذرع للمجموعة الضابطة، وذلك لفحص فاعلية ثلاث رسائل حول المواعيد المحجوزة لعيادات صحة الطفل، كان الحد الأدنى المطلوب لحجم العينة 122، لاكتشاف حجم التأثير المتوسط الذي تتراوح قيمته بين (.3-.5)، وتعطي قيمة الخطأ ثنائي الذيل ألفا ، في خمس مجموعات دراسية تبلغ درجة الحرية غاما الواحد (أبو بدر، 2011).

الأداة:

صيغت رسائل التدخل من خلال إطار (Mindspace) (Dolan et al., 2010; Reñosa et al., 2021). واستخدمت الرسائل: صياغة تفادي الخسارة، وصياغة الأعراف الاجتماعية، وصياغة السلطة (الجدول 2). خضعت هذه الرسائل لمراجعات متعددة من فريق البحث في وحدة الوكز لضمان الحساسية الثقافية، ولإزالة أي عوائق قد تعيق المشاركين عن حجز موعدهم، اختتمت جميع الرسائل برابط مباشر لحجز موعد (كان الرابط متناسباً مع جميع أنواع الهواتف الذكية لضمان الشمولية). تؤدي إضافة الرابط إلى توجيه المشاركين إلى السلوك المطلوب فوراً بعد قراءة رسالة التنبيه.

الإجراء:

استخرجت بيانات الأطفال من موقع (موعد)، وتضمنت تلك البيانات أرقام هواتف الوالدين ورقم الهوية الوطنية للطفل لتحديد الأهلية العمرية، عُيِّن المشاركون عشوائياً إلى واحدة من مجموعات التدخل الثلاث أو المجموعة الضابطة، بالنسبة لمجموعات التدخل أرسلت الرسائل النصية إلى أرقام الهواتف المعنية منتصف الأسبوع عند الظهر، لضمان الوقت الأمثل لاهتمام المتلقي، مع مراعاة وقت العمل والجوانب الثقافية في السعودية، لم تتلقَ المجموعة الضابطة أي رسالة.

تحليل البيانات:

كانت النتيجة الرئيسة للدراسة هي النسبة المئوية للمواعيد المحجوزة في عيادة صحة الطفل، وحصل على هذه النتيجة عبر رصد تطبيق موعد، وتحقق من خلال رقم الهوية الوطنية، كما استخدم اختبار كاي مربع لفحص الفروق ذات الدلالة الإحصائية في عدد المواعيد المحجوزة من مجموعات الدراسة، واستخدم اختبار فيشر الدقيق في الحالات التي لا تحقق افتراضات اختبار كاي مربع، وذلك بالاعتماد على برنامج SPSS بإصدار v.23 لتحليل البيانات، وبنسبة خطأ لا تتجاوز 0.05 (p < .05.)

النتائج:

أظهرت نتائج اختبار كاي مربع أنه يوجد فرق إحصائي مُعتبر واحد فقط عند مقارنة المجموعة الضابطة بكل مجموعة من مجموعات التدخل الثلاث (الجدول ٣)، وكان هذا الفرق بين مجموعة السلطة والمجموعة الضابطة (X2 = 5.7, p = .017).

مناقشة:

تقيم الدراسة الحالية مدى فاعلية الخيار الافتراضي (الجدولة التلقائية) والرسائل المؤطرة في تحسين حضور الأسر إلى عيادات صحة الطفل، تكشف الدراسة الأولى أن الحجز التلقائي هو أسلوب فعال في حث الآباء على الالتزام بالإرشادات الموصى بها، وفي الوقت الذي تظهر فيه الأدلة أن الوكزات المختلفة لها فاعلية مختلفة، يظل الخيار التلقائي واعداً للغاية في الكثير من السياقات (باتيل، 2018، رينوسا وآخرون، 2021).

يكون الخيار التلقائي مقبولاً اجتماعياً وفعالاً بقوة عند توفر شرطين:

  1. عندما تكون هناك منفعة في الخيار.
  2. عندما لا تكون الخيارات مُقيِّدة للحرية والاختيار (Carroll et al., 2009; Johnson & Goldstein, 2013).

عبر الخيار التلقائي يعتقد الفرد أن الخيار الذي حدِّد مسبقاً هو بمنزلة توصية من صناع السياسات، مما يعني ضمناً أنه خيار جيد، آلية أخرى تعطي الخيارات التلقائية تأثيرها القوي هي الاستفادة من الكسل، فالناس يفضلون الخيارات الجاهزة ويفضلون الاحتفاظ بما لديهم، كما أنهم يقاومون التغيير في أعمالهم المعتادة، لأن السلوكيات البشرية عادة ما تتبع المسار الأقل مقاومة (ليونارد، 2008). من خلال تعيين تحديد الخيار التلقائي يعفى المستخدم من الأعباء السلوكية والمعرفية التي تصاحب عملية اتخاذ القرار.

في سياق الدراسة الحالية أزالت الجدولة التلقائية الكثير من العوائق، مثل ملء النماذج أو الدعوة للحجز، مما جعل من السهل على الأشخاص الالتزام بالسلوك المرغوب. وفقاً لإطار عمل EAST لتغيير السلوك يعد تسهيل السلوكيات المرغوبة إحدى الركائز الأساسية للتدخلات السلوكية الناجحة (M. Hallsworth et al., 2014). وجدت إحدى الدراسات المشابهة للبحث الحالي أن 45% من المشاركين الذين حدد موعدهم تلقائياً لتلقي لقاح الإنفلونزا قد حضروا موعدهم وحصلوا على التطعيم (تشابمان وآخرون، 2010).

أظهرت الدراسة 2 أن الآباء الذين تلقوا رسالة السلطة حققوا أعلى نسبة في حجز موعد لعيادة صحة الطفل، يتأثر رد فعل الإنسان تجاه المعلومات بشدة السلطة الملموسة في الرسالة (تأثير الـمُرسِل)، تظهر الدراسات أن سلوك الفرد يتأثر كثيراً عندما يوصل الخبراء أو المتخصصون في الرعاية الصحية المعلومات (Dolan et al., 2010; Webb & Sheeran, 2006). ومع ذلك وجدت دراسة أجرتها ديسلات (2020)، أنه خلال جائحة كوفيد-19 كان للرسائل الحكومية ورسائل الخبراء تأثير سلبي على الالتزام بالتباعد الاجتماعي في الولايات المتحدة الأمريكية، فيما تظهر دراسة أخرى أن رسائل المسؤولين أقل فاعلية من الرسائل ذات الإطار الاجتماعي. في هذه الدراسة السابقة أعطى المشاركون وزير الدولة (السلطة المرسلة) تصنيفاً منخفضاً جداً من حيث الجدارة بالثقة (Zey & Windmann، 2021).

إن مشاعر الناس تجاه المرسل أمر بالغ الأهمية، يعتمد تأثير الرسائل المؤطرة للسلطة على ثقة الناس في حكوماتهم (دولان وآخرون، 2010). وفي السياق السعودي هذان العنصران حاضران، وجد الناصر وزملاؤه (2020) أن 84% من السعوديين يحصلون على تحديثات كوفيد-19 من مصادر رسمية، وأن 69% منهم يثقون بالمعلومات الواردة من وزارة الصحة السعودية. إن المشهد الاجتماعي والسياسي في المملكة العربية السعودية مواتٍ للثقة المتبادلة بين الدولة والشعب، مما يشكل نوعاً من العقد الذي يمنح الدولة مستوى عالياً من الاحترام والثقة (المطيري وآخرون، 2020)، كما أن النتائج الحالية تدعم هذا الرأي، عموماً يعتمد تأثير رسائل السلطة كثيراً على العلاقة بين السلطة والمتلقين.

ينبغي أن تراعى نتائج هذه الدراسة
  • أولاً: اختيرت عينة الدراسة من تجمع صحي واحد فقط في مدينة الرياض، لكن الباحثين يعتقدون أن بقية المجموعات الصحية الأخرى ستتصرف بأسلوب مشابه، نظراً للتجانس السكاني في المملكة العربية السعودية (World Population Review، 2021).
  • ثانياً: أخذ بروتوكول الدراسة عينات من الأطفال الذين بلغوا للتو سن الثالثة فحسب، هل سيظهر الآباء مخاوف أقل بشأن صحة أطفالهم مع تقدمهم في السن؟ يمكن لدراسة مستقبلية تتبع الآباء طوال برنامج عيادة الطفل السليم لمعرفة ما إذا كان هناك أي انخفاض في المشاركة، ومن الممكن أن تساعد مثل هذه الرؤية صناع السياسات على اتخاذ التدخلات المناسبة.

تؤكد النتائج الواعدة لهذه التجارب العشوائية المضبوطة على التطبيق العملي للعلوم السلوكية لتعزيز الصحة العامة، ويستطيع صناع السياسات تحسين الخدمات الصحية من خلال مثل هذه البصائر البسيطة والمؤثرة.

شارك هذا المقال

تواصل معنا

نرحب بكافة استفساراتكم وتساؤلاتكم...